فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى: لما أمر بحفظ النفس في قوله: {عليكم أنفسكم} [المائدة: 105] أمر بحفظ المال في قوله: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اتفقوا على أن سبب نزول هذه الآية أن تميمًا الداري وأخاه عديًا كانا نصرانيين خرجا إلى الشام ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلمًا مهاجرًا، خرجوا للتجارة فلما قدموا الشام مرض بديل فكتب كتابًا فيه نسخة جميع ما معه وألقاه فيما بين الأقمشة ولم يخبر صاحبه بذلك، ثم أوصى إليهما وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل فأخذا من متاعه إناء من فضة منقوشًا بالذهب ثلثمائة مثقال، ودفعا باقي المتاع إلى أهله لما قدما، ففتشوا فوجدوا الصحيفة، وفيها ذكر الإناء، فقالوا لتميم وعدي: أين الإناء؟ فقالا لا ندري، والذي رفع إلينا دفعناه إليكم، فرفعوا الواقعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}.
سبب نزول هذه الآية ما روي أن تميم بن أوس الداري، وعدي بن بداء، خرجا من المدينة في تجارة إلى الشام وهما نصرانيان ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلمًا فلما قدموا الشام مرض بديل فكتب كتابًا فيه جميع ما معه من المتاع وألقاه في متاعه ولم يخبر صاحبيه بذلك فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله إذا رجعا إلى المدينة ومات بديل، ففتشا متاعه، فوجدا فيه إناء من فضة منقوشًا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فغيباه، ثم إنهما قضيا حاجتهما وانصرفا إلى المدينة فدفعا المتاع إلى أهل البيت ففتشوه فأصابوا الصحيفة وفيها تسمية ما كان معه فجاء أهل الميت إلى تميم وعدي فقالوا: هل باع صاحبنا شيئًا من متاعه قالا: لا.
قالوا: فهل أتجر تجارة؟ قالا: لا.
قالوا: فهل طال مرضه فأنفق شيئًا على نفسه قالا: لا.
قالوا: إنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما كان معه وإنا فقدنا إناء من فضة منقوشًا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فضة قالا: لا ندري إنما أوصى إلينا بشيء وأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه ومَا لَنا بالإناء فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الإنكار وحلفا فأنزل الله هذه الآية هذا قول المفسرين.
وروى الترمذي عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت قال تميم برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام بتجارتهما قبل الإسلام فأتيا إلى الشام بتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم: ولما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي فلما أتينا أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقد الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا ولا دفع إلينا غيره قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم على أهل دينه فحلف فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} إلى قوله: {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي قال الترمذي: هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح.
وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه قال ابن عباس: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جامًا من فضة مخوصًا بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وأخرج هذه الرواية الأخيرة البخاري في صحيحه. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {شهادة بينكم} يعني شهادة ما بينكم وما بينكم كناية عن التنازع والتشاجر، وإنما أضاف الشهادة إلى التنازع لأن الشهود إنما يحتاج إليهم عند وقوع التنازع، وحذف ما من قوله: {شهادة بينكم} جائز لظهوره، ونظيره قوله: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] أي ما بيني وبينك، وقوله: {لقد تقطع بينكم} [الأنعام: 94] وفي قراءة نصب، وقوله: {إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية} يعني الشهادة المحتاج إليها عند حضور الموت، وحين الوصية بدل من قوله: {إذا حضر أحدكم} لأن زمان حضور الموت هو زمان حضور الوصية، فعرف ذلك الزمان بهذين الأمرين الواقعين فيه، كما يقال: ائتني إذا زالت الشمس حين صلاة الظهر، والمراد بحضور الموت مشارفته وظهور أمارات وقوعه، كقوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية} [البقرة: 180] قالوا وقوله: {إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية} دليل على وجوب الوصية، لأنه تعالى جعل زمان حضور الموت غير زمان الوصية، وهذا إنما يكون إذا كانا متلازمين، وإنما تحصل هذه الملازمة عند وجوب الوصية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ...} في قوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها الشهادة بالحقوق عند الحكام.
والثاني: أنها شهادة الحضور للوصية.
والثالث: أنها أيمان، ومعنى ذلك أيمان بينكم، فعبر عن اليمين بالشهادة كما قال في أيمان المتلاعنين: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتِ بِاللَّهِ}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} يعني ليشهد ما بينكم لأن الشهادة إنما يحتاج إليها عند وقوع التنازع والتشاجر {إذا حضر أحدكم الموت} يعني إذا قارب وقت حضور الموت {حين الوصية} لفظه خبر ومعناه الأمر يعني ليشهد اثنان منكم عند حضور الموت وأردتم الوصية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {اثنان ذوا عدل منكم}
في الآية حذف، والمراد أن يشهد ذوا عدل منكم، وتقدير الآية: شهادة ما بينكم عند الموت الموصوف، هي أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، وإنما حسن هذا الحذف لكونه معلومًا. اهـ.

.قال الماوردي:

وفي قوله تعالى: {... اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} تأويلان:
أحدهما: يعني من المسلمين، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: من حي المُوصِي، قاله الحسن، وسعيد بن المسيب، وعكرمة وفيهما قولان: أحدهما: أنهما شاهدان يشهدان على وصية المُوصِي.
والثاني: أنهما وصيان. اهـ.

.قال الخازن:

{ذوا عدل منكم} يعني من أهل دينكم وملتكم يا معشر المؤمنين واختلفوا في هذين الاثنين فقيل هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي وقيل هما الوصيان لأن الآية نزلت فيهما ولأنه قال تعالى: {فيقسمان بالله} والشاهد لا يلزمه يمين وجعل الوصي اثنين تأكيدًا فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور كقولك: شهدت وصية فلان بمعنى حضرت. اهـ.

.قال الفخر:

اختلف المفسرون في قوله: {منكم} على قولين: الأول: وهو قول عامة المفسرين أن المراد: اثنان ذوا عدل منكم يا معشر المؤمنين، أي من أهل دينكم وملتكم، وقوله: {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} يعني أو شهادة آخرين من غير أهل دينكم وملتكم إذا كنتم في السفر، فالعدلان المسلمان صالحان للشهادة في الحضر والسفر، وهذا قول ابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وشريح ومجاهد وابن سيرين وابن جريج.
قالوا: إذا كان الإنسان في الغربة، ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته، جاز له أن يشهد اليهودي أو النصراني أو المجوسي أو عابد الوثن أو أي كافر كان وشهادتهم مقبولة، ولا يجوز شهادة الكافرين على المسلمين إلا في هذه الصورة قال الشعبي رحمه الله: مرض رجل من المسلمين في الغربة، فلم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة وأتيا أبا موسى الأشعري، وكان واليًا عليها فأخبراه بالواقعة وقدما تركته ووصيته.
فقال أبو موسى: هذا أمر لم يكن بعد لذي كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم حلفهما في مسجد الكوفة بعد العصر، بالله أنهما ما كذبا ولا بدلا وأجاز شهادتهما، ثم إن القائلين بهذا القول، منهم من قال هذا الحكم بقي محكمًا ومنهم من قال صار منسوخًا.
القول الثاني: وهو قول الحسن والزهري وجمهور الفقهاء: أن قوله: {ذوا عدو منكم} أي من أقاربكم وقوله: {أو آخران من غيركم} أي من الأجانب إن أنتم ضربتم في الأرض أي إن توقع الموت في السفر، ولم يكن معكم أحد من أقاربكم، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية.
وجعل الأقارب أولًا لأنهم أعلم بأحوال الميت وهم به أشفق، وبورثته أرحم وأرأف، واحتج الذاهبون إلى القول الأول على صحة قولهم بوجوه.
الحجة الأولى: أنه تعالى قال في أول الآية {يا أيها الذين آمنوا} فعم بهذا الخطاب جميع المؤمنين، فلما قال بعده {أو آخران من غيركم} كان المراد أو آخران من جميع المؤمنين لا محالة.
الحجة الثانية: أنه قال تعالى: {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} وهذ يدل على أن جواز الاستشهاد بهذين الآخرين مشروط بكون المستشهد في السفر، فلو كان هذان الشاهدان مسلمين لما كان جواز الاستشهاد بهما مشروطًا بالسفر، لأن استشهاد المسلم جائز في السفر والحضر.
الحجة الثالثة: الآية دالة على وجوب الحلف على هذين الشاهدين من بعد الصلاة، وأجمع المسلمون على أن الشاهد المسلم لا يجب عليه الحلف، فعلمنا أن هذين الشاهدين ليسا من المسلمين.
الحجة الرابعة: أن سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من شهادة النصرانيين على بديل وكان مسلمًا.
الحجة الخامسة: ما روينا أن أبا موسى الأشعري قضى بشهادة اليهوديين بعد أن حلفهما، وما أنكر عليه أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعًا.
الحجة السادسة: أنا إنما نجيز إشهاد الكافرين إذا لم نجد أحدًا من المسلمين، والضرورات قد تبيح المحظورات، ألا ترى أنه تعالى أجاز التيمم والقصر في الصلاة، والافطار في رمضان، وأكل الميتة في حال الضرورة، والضرورة حاصلة في هذه المسألة، لأن المسلم إذا قرب أجله في الغربة ولم يجد مسلمًا يشهده على نفسه، ولم تكن شهادة الكفار مقبولة فإنه يضيع أكثر مهماته، فإنه ربما وجبت عليه زكوات وكفارات وما أداها.
وربما كان عنده ودائع أو ديون كانت في ذمته، وكما تجوز شهادة النساء فيما يتعلق بأحوال النساء، كالحيض والحبل والولادة والاستهلال لأجل أنه لا يمكن وقوف الرجال على هذه الأحوال، فاكتفينا فيها بشهادة النساء لأجل الضرورة، فكذا ههنا.